هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

 
منتدى الهندسة الكهربية



الإهداءات


إضافة رد
  #1  
قديم 11-17-2012, 08:39 AM
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
الدولة: الزقازيق
المشاركات: 1,025
معدل تقييم المستوى: 13
هانى زيادة is on a distinguished road
افتراضي مع قصص السابقين 1

بسـم الله الرحمن الرحيـم

مقدمـــــة
الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا ، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ففتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد بالله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه.

أما بعد .. فهذا كتاب يحمل الكثير من القصص التى تحمل الوعظ الذى يرقق القلوب المعرضة عن ذكر الله سبحانه وتعالى وتثبت القلوب القريبة من الله تعالى وإنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدنى من الأجل ، فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران فى العمل فالسعيد من وعظ بحال من سبقوه فتاب واستغفر والشقي من دعاه إبليس فأصر واستكبر وأدعو الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .







عنقود العنب
كان قاضى مدينة مرو وهى من مدن خراسان رجل اسمه نوح بن مريم وكان ذو نعمة كبيرة وحال موفورة وكانت له ابنة ذات حسن وجمال وبهاء وقد طلب خطبتها جماعة من الأعيان والأمراء فلم ينعم بها أبيها لأحد منهم وتحير في أمرها ولم يدر لأيهم يزوجها ، وكان لهذا القاضى أرض عامرة بالأشجار والثمار ‏‏وذات يوم قرر القاضى السفر فأمر أحد غلمانه ويدعى المبارك وكان شاباً تقياً صالحاً أن يقوم على أرضه وأشجاره وثماره حتى يعود، وبعد قرابة الشهر عاد القاضى لأرضه فوجدها على أحسن حال فقال لغلامه : يا مبارك ناولني عنقود عنب ، فناوله الغلام عنقوداً من العنب ، فوجده القاضى حامضاً فقال : أعطني غير هذا، فناوله الغلام عنقوداً آخر فوجده القاضى حامضاً أيضا ، فقال للغلام : لم لا تناولني من هــذا العنب غيـــر الحامض ، فقال الغلام : لأني لا أعلم أحامض هو أم حلو ، فتعجب القاضى ثم قال : سبحان الله لك في هــذه الأرض شهر كامل ومــا تعرف الحامض من الحلــو ؟ فقــال الغــلام : والله إنني لم أكل منه ، فقال القاضى : لما لم تأكل منه ؟! فقال الغــلام : لأنك أمرتنى بحفظه ولم تأمرني بأكله فما كنت أخونك ، فعجب القاضي منه وقـال له : حفظ الله عليــك أمانتـك ، وأحس القاضي أن الغــلام ذو عقل راجح ، فقال له : أيها الغلام أريد أن أستشيرك فى أمر لى ،‏ اعلم أن لي بنتاً جميلة وقد خطبها كثير من الأعيان والأمراء ولا أعلم لمن أزوجها فأشر علي بما ترى، فقال الغلام‏:‏ إن الكفار في الجاهلية كانوا يطلبون الحسب والنسب أما اليهود والنصارى فيطلبون الحسن والجمال وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس يطلبون الدين والتقى‏ وأما في زماننا هذا فالناس يطلبون المال فاختر ما تريد فقال القاضي : قد اخترت الدين والتقى واخترتك أنت زوجا لابنتي ، ‏فقال الغلام : أيها السيد أنا عبد هندي ابتعتني بمالك ، فكيف تزوجني بابنتك ؟ فقال له القاضي : قم بنا إلى الدار لندبر هذا الأمر فلما صارا إلى الدار قال القاضي لزوجته : اعلمي أن هذا الغلام الهندي متدين تقي وقد رغبت فيه زوجاً لابنتي فما تقولين ؟ فقالت : الأمر إليك ولكن أمضي بنا إلى ابنتك لنخبرها ونسمع جوابها ، فدخل القاضى وزوجته على ابنتهما وأخبراها بالأمر ، فقالت : لكما على السمع والطاعة ، فزوج القاضي ابنته بالمبارك وأعطاهما مالاً كثيراً ومرت الأيام وأنجب هذا الأب الصالح وزوجته الصالحة ولداً أسموه عبد الله وصار ابنهما عبد الله بن المبارك عالما وإماما وزاهدا وقدم لنا علماً وأدباً وفقهاً مازالت تتوارثه الأجيال وما زالت الدنيا تحدث به حتى يومنا هذا ‏.‏


الشاب والتفاحة
يروى انه في القرن الأول الهجري كان بالكوفة شاب صالح يطلب العلم ومتفرغ له ولكنه كان فقيرا وفي أحد الأيام خرج ذلك الشاب من بيته جائعاً وأثناء سيره انتهى به الطريق إلى أحد البساتين وكان البستان مليء بأشجار التفاح، فحدثته نفسه أن يأكل تفاحة يسد بها رمقه ولن ينقص هذا البستان بسبب تفاحة واحده فتناول الشاب تفاحة وجلس يأكلها حتى ذهب جوعه ثم عاد إلى بيته ولكن نفسه بدأت تلومه على ما فعل وهذا هو حال المؤمن دائما فندم على ما فعل وفى اليوم التالى ذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له : يا شيخ بالأمس بلغ بي الجوع مبلغا عظيما وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وها أنا اليوم أستأذنك فيها فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك بل أنا خصيمك يوم القيامة عند الله!! فأخذ الشاب المؤمن يتوسل إلي صاحب البستان أن يسامحه وقال له : أنا مستعد لعمل أي شيء لك على أن تسامحني ولكن صاحب البستان لم يزداد إلا إصرارا على موقفه ومضى صاحب البستان إلى داره تاركاً الشاب ولكن الشاب لحقه وبقي عند الدار ينتظر خروجه مرة أخرى ، وبعد فترة من الوقت خرج صاحب البستان فوجد الشاب لا يزال واقفا عند الدار وقد تساقطت دموعه على لحيته فزادت وجهه نورا غير نور الطاعة والعلم ، فقال الشاب لصاحب البستان : إنني مستعد للعمل في هذا البستان من دون أجر باقي عمري أو أي أمر تريد ولكن بشرط أن تسامحني ، فسكت صاحب البستان لحظات ثم قال : يا بني إنني مستعد أن أسامحك ولكن بشرط ، ففرح الشاب وتهلل وجهه وقال : اشترط ما بدا لك ؟ فقال صاحب البستان : شرطي هو أن تتزوج ابنتي !! فتعجب الشاب من كلام صاحب البستان الذى أكمل قائلاً : ولكن يا بني اعلم أن ابنتي عمياء وصماء وبكماء وأيضا مقعدة لا تمشي ومنذ زمن وأنا ابحث لها عن زوج استأمنه عليها ويقبل بها بجميع صفاتها فإن أنت وافقت علي الزواج بها سامحتك فسكت الشاب وأخذ يفكر بهذه المصيبة وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه الزوجة خصوصا أنه لازال في مقتبل العمر؟ وكيف تقوم بشأنه وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات ؟ وأخذ يفكر وقرر أن يصبر علي هذه الزوجة في الدنيا كى ينجو من ورطة التفاحة ، فقال لصاحب البستان : لقد قبلت ابنتك وأسال الله أن يجازيني على نيتي وان يعوضني خيرا مما أصابني فقال صاحب البستان : حسنا يا بني موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها ، فلما كان يوم الخميس جاء الشاب متثاقل الخطى .. حزين الفؤاد .. منكسر الخاطر .. ليس كأي زوج ذاهب إلى يوم عرسه ، فلما طرق الباب فتح له صاحب البستان وأدخله الدار وأتما إجراءات الزواج ثم قال صاحب البستان للشاب : تفضل بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير، وأخذه بيده وذهب به إلى الغرفة التي تجلس فيها ابنته فلما فتح الباب فإذا بفتاة بيضاء أجمل من القمر قد انسدل شعرها كالحرير على كتفيها فقامت ومشت إليه فإذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه وقالت السلام عليك يا زوجي فوقف الشاب في مكانه يتأملها وكأنه أمام حورية من حوريات الجنة نزلت إلى الأرض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم ما الذي حدث ولماذا قال عنها أبيها ذلك الكلام ، ففهمت الفتاة ما يدور في خاطره فاقتربت منه وقالت له : إنني عمياء عن النظر إلى الحرام وبكماء عن الكلام فى الحرام وصماء عن الاستماع إلى الحرام ومقعدة لا تخطو رجلاي خطوة إلى الحرام كما إنني وحيدة أبي ومنذ سنوات وأبي يبحث لي عن زوج صالح فلما أتيته تستأذنه في التفاحة التى أكلتها وتبكي من اجل أن يسامحك علم أبي أن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له أجدى به أن يخاف الله في ابنته فهنيئاً لي بك زوجاً ، وبعد عام رزق الله هذا الشاب الصالح وزوجته الصالحة غلاماً أسموه النعمان الذى صار واحدا من كبار علماء المسلمين وأفقهم إنه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت .


توبـة مالك بن دينـار
يقول مالك بن دينار: بدأت حياتي عاصياً ضائعاً سكيراً أظلم الناس وآكل الحقوق ، لا توجد معصية إلا وارتكبتها وذات يوم اشتقت أن أتزوج ويكون عندي أبناء ، فتزوجت وأنجبت طفله جميلة سميتها فاطمة ، أحببتها حباً شديداً وكانت كلما كبرت فاطمة زاد الإيمان في قلبي وقلت معصيتى وزاد قربى من الله وابتعدت شيئا فشيئاً عن المعاصي حتى اكتمل سن فاطمة الثلاث سنوات حينها ماتت .. ماتت فاطمة ، يقول مالك بن دينار: فانقلبت أسوأ مما كنت ولم يكن عندي الصبر الذي عند المؤمنين كى يقويني على البلاء وتلاعب بي الشيطان حتى جاء يوم نويت أن أسكر سكرة ما سكرت مثلها من قبل !! فظللت طوال الليل أشرب الخمر حتى سكرت ونمت وفى منامى رأيت رؤيا رأيتني يوم القيامة وقد أظلمت الشمس وتحولت البحار إلى نار وزلزلت الأرض واجتمع الناس أفواج وأفواج وأنا بين الناس نسمع المنادي ينادي فلان بن فلان هلم للعرض على الجبار
يقول مالك بن دينار: فأرى فلان هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شدة الخوف حتى سمعت المنادي ينادي باسمي هلم للعرض على الجبار
فاختفى كل من حولي وكأن لا أحد في أرض المحشر غيرى ثم رأيت ثعباناً عظيماً شديداً قويا يجري نحوي فاتحا فمه ، فأخذت أجرى من شدة الخوف فوجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاً فقلت له : آه .. أنقذني من هذا الثعبان
فقال لي : يا بني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن اجري في هذه الناحية لعلك تنجو فجريت حيث أشار لي والثعبان خلفي فوجدت النار أمام وجهي فقلت: أأهرب من الثعبان لأسقط في النار فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدني .. أنقذني ، فبكى رأفة بحالي
وقال : أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شيء ولكن اجري تجاه ذلك الجبل لعلك تنجو فجريت للجبل والثعبان يكاد يخطفني ، فرأيت على الجبل أطفالاً صغاراً فسمعت الأطفال كلهم يصرخون: يا فاطمة أدركي أباك .. أدركي أباك
فعلمت أنها ابنتي ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها ثلاث سنوات تنجدني من ذلك الموقف فأخذتني فاطمة بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شدة الخوف ثم جلست فاطمة في حجري كما كانت تجلس في الدنيا وقالت لي : يا أبت "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"
فسألتها : يا بنيتي أخبريني عن هذا الثعبان؟!
قالت هذا عملك السيئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك ، أما عرفت يا أبي أن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامة ؟ فسألتها : وذلك الرجل الضعيف ؟! قالت : ذلك عملك الصالح أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئاً ولولا انك أنجبتني ولولا أني مت صغيره ما كان هناك شيء ينفعك ، يقول مالك بن دينار : فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ : قد آن يا رب ، قد آن يا رب , نعم "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" واغتسلت وخرجت لصلاه الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله ودخلت المسجد فإذا بالإمام يقرأ نفس الآية "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" ، وتاب مالك بن دينار واشتهر عنه أنه كان يبكي طول الليل ويقول : إلهي أنت وحدك الذي يعلم ساكن الجنه من ساكن النار، فأي الرجلين أنا اللهم اجعلني من سكان الجنة ولا تجعلني من سكان النار وكان يقف كل يوم عند باب المسجد ينادي ويقول : أيها العبد العاصي عد إلى مولاك أيها العبد الغافل عد إلى مولاك أيها العبد الهارب عد إلى مولاك .. مولاك يناديك بالليل والنهار يقول لك من تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة أسألك يا رب أن ترزقنا التوبة ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .


الشيخ والألف دينــار
قال ابن جرير الطبرى: كنت في مكة في موسم الحج فرأيت رجلا من خراسان ينادي ويقول : يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي ، فقدت كيسا فيه ألف دينار فمن رده إلى جزاه الله خيرا وأعتقه من النار وله الأجر والثواب يوم الحساب ، فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له : يا خرساني بلدنا حالتها شديدة ، وأيام الحج معدودة ، ومواسمه محدودة ، وأبواب الكسب مسدودة فلعل هذا المال يقع في يد شيخ كبير ومؤمن فقير يطمع في عهد عليك لو رد المال إليك ، تمنحه شيئا يسيرا ومالا حلالا ، فقال الخرساني : فما مقدار ما يريد ؟ قال الشيخ الكبير : يريد العُشر ، مائة دينار عُشر الألف ، فلم يرض الخرسانى وقال : والله لا أفعل ولكنى أفوض أمره إلى الله ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل
قال ابن جرير الطبرى: فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير ، وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير ، فتبعته حتى عاد إلى داره ، فكان كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته ويقول : يا لبابة
فقالت له : لبيك أبا غياث قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليها ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا ، فقلت له : أعطنا منه مائة دينار لو وجدناه ، فأبى وفوض أمره إلى الله ، ماذا أفعل يا لبابة ؟ لا بد لى من رد المال ، إنى أخاف ربى أخاف أن يضاعف ذنبي، فقالت له زوجته : يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ، خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعي ، واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ، أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك
فقال لها يا لبابة : أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمري ، وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقرى ، وأستوجب غضب الجبار وأنا قريب من قبرى ، لا والله لا افعل ، قال ابن جرير الطبري : فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته ، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادى ويقول : يا أهل مكة ، يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ، من وجد كيسا فيه ألف دينار، فليرده إلى وله الأجر والثواب عند الله ، فقام إليه الشيخ الكبير ، وقال : يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك ، وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع ، فجد على من وجد المال بشيء حتى لا يخالف الشرع ، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت ، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل ، فهلا أعطيته عشرة دنانير فقط بدلا من مائة ، يكون له فيها ستر وصيانة وكفاف وأمانة فقال له الخرساني : والله لا أفعل وأحتسب مالي عند الله وأشكوه إليه يوم نلقاه وهو حسبنا ونعم الوكيل ، قال ابن جرير الطبري : ثم افترق الناس وذهبوا ، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول : يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ، من وجد كيسا فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله فقام إليه الشيخ الكبير وقال له : يا خرساني ، قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ، ثم عشرة فأبيت ، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا يشتري بنصفه إربة يطلبها وبالنصف الأخر شاة يحلبها فيسقى الناس ويكتسب ويطعم أولاده ويحتسب ، فقال الخرسانى : والله لا أفعل ولكن أحيله إلى الله وأشكوه لربه يوم نلقاه وحسبنا الله ونعم الوكيل ، فجذبه الشيخ الكبير وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال ، يقول ابن جرير : فذهب الشيخ مع صاحب الدنــانير وتبعتهما حتى دخل الشيخ بيته، فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال : خذ مالك وأسأل الله أن يعفو عنى ويرزقني من فضله ، فأخذ الخرسانى ماله وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ، قال : يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف دينار وكان قد أوصانى بأن أخرج ثلثها صدقة على من يستحقها فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق ووالله ما رأيت منذ خرجت من خراسان إلى ههنا رجلاً أولى بها منك ، فخذه بارك الله لك فيه وجزاك الله خيراً على أمانتك وصبرك على فقرك ، ثم ذهب وترك المال فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول : رحم الله صاحب المال في قبره ، وبارك الله في ولده
قال ابن جرير : فوليت خلف الخرساني فلحقني أبو غياث المكى وردني ، وقال لي : اجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم ، وقد علمت حديثا عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر وعلي رضي الله عنهما : إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس فاقبلاها ولا ترداها ، فترداها على الله عز وجل ، وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر ، ثم قال : يا لبابة ، يا فلانة ، يا فلانة ، وصاح ببناته والأختين وزوجته وأمها وقعد وأقعدني ، فصرنا عشرة ، فحل الكيس وقال : أبسطوا حجوركم ومدوا أيديكم وأخذ يعد دينارا دينارا ، حتى فرغ من الكيس ، وكان فيه ألف دينار ، فأعطانى مائة دينار ، يقول ابن جرير الطبرى : فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى بالمائة دينار ، فلما أردت الخروج من الدار قال لي أبو غياث المكى : يا فتى إنك لمبارك ، وما رأيت هذا المال قط ولا أملته ، وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به ، واعلم أني كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالى ، ثم أخرج للعمل إلى ما بين الظهر والعصر ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز ، وما كنت أتصور أنا وأهل بيتى أن نرى هذه الدنانير ، فنفعهن الله بما أخذن ونفعني وإياك بما أخذنا ورحم الله صاحب المال في قبره ، وضاعف الثواب لولده وشكر الله له ، قال ابن جرير الطبرى : فودعته ، وأخذت المائة دينار وتركت مكة ، وبعد ستة عشر عاما عدت إلى مكة وسألت عن الشيخ ، فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ، وماتت زوجته وأمها والأختان ، ولم يبق إلا البنات فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بأعيان وأمراء ، وذلك بسبب صلاح والدهن فصلاح الأباء ينفع الأبناء وتقوى الأصول تنفع الفروع .


صبــر يفوق الخيــال
حدث الأوزاعي ، عن عبد الله بن محمد، قال: خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا وكان رابطنا يومئذ عريش مصر، قال: فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه، وثقل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: " اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتـــك التي أنعمت بهــا علي وفضلتني على كثيــر ممن خلقت تفضيــلا " قال الأوزاعي: قال عبد الله: والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أني له هذا الكلام؟ فهم أم علم أم إلهام ألهم ؟ فأتيت الرجل فسلمت عليه ثم قلت: سمعتك وأنت تحمد الله فأي نعمة من نعم الله عليك تحمده وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها ؟ قال: والله لو أرسل السماء علي نارا فأحرقتني وأمر الجبال فدمرتني وأمر البحار فأغرقتني وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربي إلا شكراً لما أنعم علي من لساني هذا، ثم استطرد وقال : يا عبد الله إذ أتيتني لي إليك حاجة، وأنت ترانى على حالى هذا لست بقادر لنفسي على ضر ولا نفع ولقد كان معي ابن لي يتعهدني في وقت صلاتي فيوضيني ، وإذا جعت أطعمني وإذا عطشت سقاني ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسسه لي رحمك الله فقلت: والله ما مشى خلق في حاجة خلق كان أعظم عند الله أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك ، فمضيت في طلب الغلام فما مضيت غير بعيد، حتى صرت بين كثبان الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجعت وقلت : أني لي وجه أتى به الرجل ؟! فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي ، فلما أتيته سلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى ، قال: ما فعلت في حاجتي؟ فقلت: أأنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي ، قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى ، قلت: فكيف وجده ؟ قال: وجده صابرا شاكرا حامدا، قلت: لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟ قلت: فكيف وجده ربه ؟ قال: وجده صابرا شاكرا حامدا، قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضا لمار الطريق، فكيف وجده ربه ، قال: صابرا شاكرا حامدا، ثم قال : أوجز رحمك الله ، قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل وقد افترسه سبع فأكل لحمه، فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر، فقال: الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقًا يعصيه، فيعذبه بالنار ثم استرجع وشهق شهقة فمات، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتي، رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع وإن قعدت لم أقدر على ضر ولا نفع ، فسجيته بشملة كانت علي وقعدت عند رأسه باكيا فبينما أنا على هذه الحال إذ دخل على أربعة رجال فسألونى قائلين : ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي مع الرجل ، فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه، فعسى أن نعرفه فكشفت عن وجهه، فانكب القوم عليه، يقبلون وجهه مرة ويديه مرة أخرى، وأخذ أحدهم يقول : بأبي عين طالما غضت عن محارم الله وبأبي جسد طالما كان ساجدا والناس نيام، فقلت: من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا: هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس، لقد كان شديد الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم ، بعد ذلك غسلناه وكفناه بأثواب كانت معنا وصلينا عليه ودفناه وانصرف القوم وانصرفت ، فلما جاء الليل وضعت رأسي فرأيت الرجل فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حلتان من حلل الجنة، وهو يتلو من القرآن : " سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَـــا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " الرعد فقلت له : ألست بصاحبي ؟ قال: بلى ، قلت: أني لك هذا ؟ قال: إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر على البـــلاء ، والشكر عند الرخــاء ، مع خشية الله في الســر والعلانيــة .


لولا علمك لضللت مثلهم
روى عن أحد العلماء الصالحين أنه كان يمشى ذات يوم فى الصحراء فتراءى له نور عظيم فى الأفق ثم سمع صوتاً يناديه باسمه ويقول له : أنا ربك وقد أحللت لك ما حرمت على غيرك ، فعلم الرجل الصالح أن ما هذا إلا شيطان أراد أن يضله فقال له : اخسأ يا لعين ، فإذا بهذا النور ينقلب ظلاماً وإذا بالصوت يقول له : لقد نجوت منى بعلمك بأمر ربك ولقد أضللت بمثل هذا سبعين من كبار العباد ولولا علمك لضللت مثلهم .




دمـوع امـرأة
يروى أن رجلاً اسمه أبو نصر وكان يعمل بالصيد كان يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد وفي احد الأيام لم يكن في بيته طعام ومن شدة الجوع أخذت زوجته وابنه يبكيان فخرج أبو نصر إلى البحر ليصطاد ولكن الله لم يرزقه وبينما هو جالس على البحر مهموماً مر عليه شيخ من علماء المسلمين يدعى أحمد بن مسكين وهو من التابعين وسأله الشيخ عما به ، فقال : أنني متعب وجائع وليس في بيتي قوت لزوجتي وابني ، فقال له الشيخ : صلي ركعتين ثم قل بسم الله ثم ارمى شبكتك فى البحر وبإذن الله سيرزقك ، ففعل أبو نصر ما أمره به الشيخ فخرجت الشبكة بسمكة كبيرة ، وفرح أبو نصر فرحة كبيرة بما رزقه الله ، فقال له الشيخ : اذهب إلى السوق وبع السمكة واشتر بثمنها طعاماً لأهلك ، فذهب أبو نصر للسوق وباع السمكة واشترى بثمنها فطيرتين وقرر أن يذهب ليطعم الشيخ منها فذهب إليه ليعطيه فطيرة فقال له الشيخ : لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة ، أي أن الشيخ كان يفعل الخير لوجه الله تعالى ولم يكن ينتظر له ثمناً ، ثم رد الفطيرة إلى الرجل وقال له: خذها أنت وعيالك ، وعاد أبو نصر إلى بيته وفي الطريق قابلته امرأة مسكينة ومعها طفلها يبكى من الجوع وهما ينظران إلى الفطيرتين فى يده فسأل أبو نصر نفسه : هذه المرأة وابنها مثل زوجتي وابني يتضوران جوعاً فلمن أعطي الفطيرتين ؟ ونظر إلى عيني الطفل الجائع فلم يحتمل رؤية الدموع فيها ، فقال للمرأة : خذي الفطيرتين فابتهج وجهها ونزلت الدموع من عينيها فرحا وابتسم طفلها فرحاً وعاد الرجل وهو يحمل الهم ، فكيف سيطعم امرأته وابنه؟ وأثناء سيره سمع رجلاً ينادي: من يدل على أبو نصر الصياد ؟ فدله الناس عليه ، فقال له الرجل : إن أباك كان قد أقرضني مالاً منذ عشرين سنة ثم مات ولم أستدل عليه ، خذ يا بني ثلاثين ألف درهم مال أبيك ، يقــول أبو نصر: ومرت الأيام وتحولت إلى أغنى الناس وصارت عندي بيوت وتجارة وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة لأشكر الله على ما أنعم على به وذات يوم رأيت رؤيا في المنام رأيت أن الميزان قد وضع يوم الحساب ونادي مناد : أبو نصر الصياد هلم للحساب هلم لوزن حسناتك وسيئاتك فوضعت الملائكة حسناتي ووضعت سيئاتي فرجحت السيئات فقلت : أين الأموال التي تصدقت بها ؟ فوضعت الأموال التى تصدقت بها فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس أو إعجاب بنفس وصارت الحسنات كأنها لفافة من القطن لا تساوي شيئاً ورجحت السيئات فبكيت وقلت: ما النجاة ؟ فسمعت المنادي يقول: هل بقى له من شيء ؟ فسمعت من يقول: نعم بقى له الفطيرتين فوضعت الفطيرتين في كفة الحسنات فهبطت كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة السيئات ، ثم سمعت المنادي يقول : هل بقى له من شيء ؟ فسمعت من يقول: نعم بقى له شيء ، فقيل : ما هو؟ فقيل : دموع المرآة حين أعطيت لها الفطيرتين ، فوضعت الدموع فإذا بها كحجر فثقلت كفة الحسنات ، فسمعت المنادي ينادي: لقد نجا .. لقد نجا ، فاستيقظت من النوم وتذكرت قول الشيخ الصالح " لو أطعمنا أنفسنا هذا لما خرجت السمكة ".


الصيـاد والسمكـة
يروى أن صيادا لديه زوجة وعيال لم يرزقه الله بالصيد عدة أيام حتى بدأ الزاد ينفد من البيت وكان صابرا محتسبا، وبدأ الجوع يسري في الأبناء والصياد كل يوم يخرج للبحر إلا أنه لا يرجع بشيء وظل على هذا الحال عدة أيام ، وذات يوم وبعد أن يأس من كثرة المحاولات قرر أن يرمي الشبكة لآخر مرة وإن لم يظهر بها شيء سيعود لبيته ، فدعى الله ورمى الشبكة، وعندما بدأ بسحبها، أحس بثقلها، فاستبشر وفرح وعندما أخرجها وجد بها سمكة كبيرة لم ير مثلها في حياته " ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج " فأمسك الصياد السمكة وأخذ يحدث نفسه
ماذا سأفعل بهذه السمكة الكبيرة ؟ سأطعم أبنائي بجزء من هذه السمكة وأحتفظ بجزء منها للأيام القادمة وأتصدق بجزء منها على الجيران وأبيع الباقي منها، وفى أثناء ذلك تصادف مرور ملك البلاد فى موكبه بجانب الصياد ورأى الملك السمكة الكبيرة فى يد الصياد فأعجب بها فأمر جنوده بإحضارها ولكن الصياد رفض إعطائهم السمكة بلا مقابل فهي رزقه وطعام أبنائه وطلب منهم دفع ثمنها أولا، إلا أن جنود الملك أخذوها منه بالقوة
وفي القصر ، طلب الملك من الطباخ أن يجهز السمكة الكبيرة ليتناولها وبعد أن تناولها جرح إصبع قدمه ، فاستدعى الأطباء فأخبروه بأن عليهم قطع إصبع قدمه لأن جرحه قد تلوث، فرفض الملك بشدة وأمرهم بالبحث عن دواء له فلم يجدوا ، فلما اشتد ألمه أمر بإحضار أطباء من خارج بلاده ، وعندما حضر الأطباء أخبروه بوجوب بتر قدمه لأن المرض انتقل إليها ، ولكن الملك عارض بشدة وبعد عدة أيام أخبره الأطباء أن المرض قد وصل لركبته
فألحوا على الملك ليوافق على قطع ساقه لكي لا ينتشر المرض أكثر ، فوافق الملك وبالفعل تم قطع ساق الملك وبعد عدة أيام حدثت اضطرابات في البلاد فتعجب الملك من هذه الأحداث أولها المرض وثانيها الاضطرابات فاستدعى أحد حكماء المدينة ، وسأله عن رأيه فيما حدث
فأجابه الحكيم: لابد يا مولاى أنك قد ظلمت أحدا؟!
فأجاب الملك متعجباً : لكني لا أذكر أنني ظلمت أحدا من رعيتي
فقال الحكيم: تذكر جيدا، فلابد أن هذا نتيجة ظلمك لأحد
ففكر الملك قليلا ثم تذكر أمر السمكة الكبيرة والصياد وكيف أن جنوده أخذوا السمكة من الصياد بلا ثمن ، فأمر الجنود بالبحث عن هذا الصياد وإحضاره على الفور فبحث الجنود عن الصياد حتى وجدوه فأحضروه للملك ، فخاطب الملك الصياد قائلا: أصدقني القول ، ماذا فعلت عندما أخذ جنودى منك السمكة الكبيرة ؟ فتكلم الصياد بخوف: لم أفعل شيئا ، فقال الملك: تكلم ولك الأمان
فاطمأن قلب الصياد وقال: توجهت إلى الله بالدعاء عليك قائلاً :" اللهم لقد أراني قوته على فأرني قوتك عليه " فسكت الملك ثم طلب من الصياد أن يعفو عنه كى يعفو الله عنه .


يُمهل ولا يُهمل
يروى أنه كان ببغداد رجل يعمل جزاراً يبيع اللحم ، وكان يذهب قبل الفجر إلى دكانه فيذبح الغنم ثم يرجع إلى بيته، وبعد طلوع الشمس يفتح دكانه ليبيع اللحم ، وفي أحد الليالي بعدما ذبح الغنم عاد إلى بيته كالعادة وثيابه ملطخة بالدماء وفي أثناء ذلك سمع صيحة في أحد الأزقة المظلمة فتوجه إليها بسرعة وفجأة سقط على جثة رجل قد طعن عدة طعنات ودماؤه تسيل والسكين مغروسة في جسده فانتزع السكين وأخذ يحاول حمل الرجل ومساعدته لكن الرجل مات بين يديه، وما هى إلا لحظات حتى اجتمع الناس فلما رأوا السكين في يده والدماء على ثيابه ، اتهموه بقتل الرجل وأخذوه إلى القاضى الذى حكم عليه بالموت، فلما أحضر إلى ساحة القصاص وأيقن بالموت، صاح بالناس، وقال :أيها الناس أنا والله ما قتلت هذا الرجل لكني قتلت نفساً أخرى منذ عشرين سنة فسبحان الله .. الآن يقام علي القصاص ثم قال : قبل عشرين سنة كنت شاباً فتياً، أعمل على قارب أنقل الناس بين ضفتي النهر وفي أحد الأيام جاءتني فتاة غنية مع أمها ونقلتهما ثم جاءتا في اليوم التالي وركبتا في قاربي ومع الأيام بدأ قلبي يتعلق بتلك الفتاة وهي كذلك تعلقت بي فطلبتها من أبيها لكنه رفض أن يزوجني إياها لفقري، ثم انقطعت عني بعدها، فلم أعد أراها ولا أرى أمها، وبقي قلبي معلقاً بتلك الفتاة، وبعد سنتين أو ثلاث كنت في قاربي أنتظر الركاب فجاءتني امرأة مع طفلها وطلبت نقلها إلى الضفة الأخرى، فلما ركبت وتوسطنا النهر، نظرت إليها فإذا هي صاحبتي الأولى التي فرق أبوها بيننا ففرحت بلقياها وبدأت أذكرها بحبى لها لكنها تكلمت بأدب وأخبرتني أنها قد تزوجت وهذا ولدها، فزين لي الشيطان الوقوع بها فاقتربت منها، فصاحت بي وذكرتني بالله، لكني لم ألتفت إليها فبدأت المسكينة تدافعني بما تستطيع، وطفلها يصرخ بين يديها، فلما رأيت ذلك أخذت الطفل وقربته من الماء وقلت لها : إن لم تمكنيني من نفسك أغرقت طفلك ، فبكت وتوسلت، لكني لم التفت إليها، وأخذت أغمس رأس الطفل فإذا شارف على الهلاك أخرجته، وهي تنظر إلي وتبكي وتتوسل ولكنها لم تستجيب لي ، فغمست رأس الطفل في الماء وشددت عليه الخناق وهي تتوسل إلى وتستحلفنى أن أترك طفلها والطفل تضطرب يداه ورجلاه حتى خارت قواه وسكنت حركته ، فأخرجته فإذا هو ميت، فألقيت جثته في الماء ثم أقبلت عليها ، فدفعتني بكل قوتها ، وأخذت تصرخ وتبكى ، فسحبتها من شعرها، وقربتها من الماء، وغمست رأسها في الماء وأخرجته عدة مرات وهي تأبى على الفاحشة فلما تعبت يداي، غمست رأسها في الماء، فأخذت تنتفض حتى سكنت حركتها وماتت فألقيتها في الماء ثم رجعت، ولم يكتشف أحد جريمتي حتى يومنا هذا .. فسبحان الله يُمهل ولا يُهمل ، فبكى الناس لما سمعوا قصته وتم تنفيذ القصاص فقطع السياف رأسه عقابا له على جريمته .


بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام
روى أنه كان هناك رجل قد نزل فى بلد من بلاد العجم وله زوجة وله منها بنات وكانوا فى سعة ونعمة ومات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة ، فخرجت المرأة ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الناس واتفق خروجها فى يوم شديد البرد فلما دخلت تلك البلدة أدخلت بناتها فى مسجد مهجور ومضت تطلب العون فمرت بشيخ مسلم فشرحت له حالها وطلبت منه العون ، فقال لها الشيخ المسلم : أقيمي عندى البينة أنك مسلمة شريفة فقالت : أنا امرأة غريبة ما يعرفنى أحد ، فأعرض الشيخ المسلم عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فمرت على رجل مجوسى فشرحت له حالها وأخبرته أن معها بناتاً أيتاماً وهى امرأة شريفة غريبة فقام الرجل وأرسل لها بعض نسائه وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام وألبسهن أفخر الثياب وباتوا عنده فى نعمة كراماً ، فلما انتصف الليل رأى الشيخ المسلم فى منامه كأن القيامة قد قامت ورأى النبى صلى الله عليه وسلم وإذا بقصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت فقال الشيخ : يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ فقال النبى : القصر لرجل مسلم شريف ، فقال الشيخ : أنا رجل مسلم شريف ، فقال النبى : لما قصدتك المرأة تطلب العون طلبت منها أن تثبت لك أنها امرأة مسلمة شريفة فكذا أنت أقم عندى البينة أنك مسلم شريف فانتبه الرجل من نومه حزيناً على رده المرأة خائبة ، فاخذ يطوف بالبلد ويسأل عن المرأة حتى عرف أنها عند الرجل المجوسى فذهب إليه وطلب منه أخذ المرأة المسلمة وبناتها عنده ، فقال الرجل المجوسى : ما إلى هذا من سبيل فقد لحقنى من بركاتهم ما لحقنى فقال الشيخ المسلم : خذ منى ألف دينار واترك المرأة وبناتها يأتين معى ، فقال الرجل المجوسى : لا أفعل فوالله ما نمت أنا وأهل دارى البارحة حتى أسلمنا على يد تلك المرأة ثم قص عليه أنه بعد ذلك رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام وقال له : المراة وبناتها عندك ، فقلت : نعم يا رسول الله فأرانى النبى قصراً من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وقال لى : هذا القصر لك ولأهل دارك فأنت وأهل دارك فى الجنة ، فانصرف الشيخ المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما .


من مكارم الأخلاق
دخل رجل وامرأته على موسى بن إسحاق " قاضي الأهواز " فادعت المرأة أن لها عند زوجها خمسمائة دينار مهراً، وأنكر الزوج ادعاء زوجته عليه وأنه أدى لها مهرها ، فقال القاضي للزوج: أتنا بشهودك ليشهدوا
فأحضرالزوج الشهود ، فاستدعى القاضي أحدهم وقال له: انظر إلى الزوجة وتأكد من معرفتك بها لتشهد بالحق ، فقام الشاهد لينظر إليها، وقال القاضي للزوجة: قومي واكشفي عن وجهك ليتعرف عليك الشاهد، فاعترض الزوج فقال له القاضي: لا بد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك وهي كاشفة لوجهها لتصح معرفته بها، إذ كيف يشهد على من لا يعرف؟
فكره الزوج أن تكشف زوجته عن وجهها أمام رجال أجانب عنها وقال للقاضي: إني أشهد أن لزوجتي في ذمتي المهر الذي تدعيه ولا حاجة إلى أن تكشف وجهها أمام الرجال ، فلما سمعت الزوجة ذلك أكبرت وأعظمت زوجها أنه يغار عليها ويصونها عن أعين الناس ، فقالت للقاضي : إني أشهدك أني قد وهبته هذا المهر وسامحته فيه وأبرأته منه في الدنيا والآخرة ، فقال القاضي : اكتبوا هذا في مكارم الأخلاق .


سوء الخاتمة
روى أنه كان بمصر مؤذن عليه علامات الصلاح وذات يوم صعد المئذنة ليؤذن فرأى صبية نصرانية ذات حسن وجمال ببيت ملاصق للمسجد فأفتتن بها ، فذهب إليها فامتنعت أن تجيبه فقــال لها : أتزوجك ، فقالت : أنت مسلم وأنا نصرانية فلا يرضى أبى ، فقال : أتنصر ، فقالت : حسناً حينها يجيبك أبى ويرضى ، فتنصر الرجل وخطب الصبية ، ووعده أباها أن يدخله عليها وفى ذلك اليوم ارتقى الرجل سطح بيته لحاجة له فزلت قدمه فوقع ميتا فلا هو ظفر بالصبية الحسناء ولا هو ظفر بدينه فنعوذ بالله من سوء الخاتمة.


الخادم النمام
روى أن تاجراً أراد أن يشتري خادماً ، فرأي في السوق غلاماً يُباع ، ولما سأل عن مميزاته وعيوبه ، قيل له : إنه ليس به عيب إلا أنه يمشي بالنميمة فقط ، فاستخف التاجر بهذا العيب واشتراه ، وما هي إلا أيام قليلة حتى قال الغلام النمام لزوجة سيده : علمت أن زوجك ينوى الزواج بأخرى فإن أردتي أن يترك ما عزم عليه ، فإذا نام في فراشه خذي شفرة الحلاقة وأحلقي بعض شعرات من لحيته واحضريها لى ، فصدقته المرأة
ثم انفرد الغلام النمام بالزوج ، وقال له : علمت أن سيدتي قد اتخذت لها عشيقاً وهي عازمة علي أن تتخلص منك بذبحك الليلة ، وإن لم تصدقني فتظاهر بالنوم بالليل وأنظر ماذا تفعل زوجتك ، وصدقه الزوج
فلما أتي الليل تظاهر الزوج بالنوم حتى جاءت زوجته وفي يدها شفرة الحلاقة لتحلق به الشعرات من لحيته ، وقال الزوج في نفسه : لقد صدق الخادم فلما أرادت الزوجة أن تنفذ ما عزمت عليه ، قام زوجها ونزع منها شفرة الحلاقة وذبحها به ، وعلم أهل المرأة بما حدث فحضروا فقتلوا الزوج ، فوقع القتال بين عائلة الرجل وعائلة زوجته بشؤم ذلك العبد النمام .


جـزاء الكـذب
روى أحد التجار المسافرين فقال : كنا نجتمع من بلاد شتى في جامع عمرو بن العاص , فبينما نحن جلوس إذا بامرأة تنادينا, فقال لها رجل من التجار من البغداديين : ما شأنك يا امرأة ؟ فقالت: أنا امرأة وحيدة غاب عني زوجي منذ عشر سنين وما ترك لي نفقة ولم أسمع له خبرا, وأريد رجلا غريبا يشهد لي هو وأصحابه أن زوجي مات أو طلقني لأتزوج , أو يقول أنه زوجى ويطلقني عند القاضي لأصبر مدة العدة وأتزوج ، فقال لها الرجل: أتعطيني دينارا حتى أذهب معك إلى القاضي وأذكر له أني زوجك وأطلقك ؟ فبكت المرأة وقالت : والله ما أملك غير تلك الدراهم وأعطتها للرجل ، فأخذ الرجل منها عدة دراهم ومضى معها إلى القاضي, وفى اليوم التالى التقينا الرجل فقلنا له : حدثنا عما حدث بالأمس مع المرأة ، فقال : دعوني, فاني وقعت في أمر ذكره فضيحة ، قلنا : أخبرنا عن ذلك ، فقال : بالأمس حضرت مع المرأة إلى القاضي فادعت علي الزوجية والغيبة عشر سنين , وسألتنى أن أطلقها فصدقت على حديثها أمام القاضى وطلقتها , فقال لها القاضي : أتبرئينه ؟ قالت : لا والله لي عليه صداق ونفقة عشر سنين , فقال لي القاضي: أدها حقها فلم أستطع الكلام ولم أتجاسر أن أحكي ما حدث منها خوفا من القاضى فقام القاضي بتسليمي إلى صاحب الشرطة, فاستقر الأمر على عشرة دنانير أخذتها مني تلك المرأة وذهبت لا سامحها الله ، فسبحان الله لقد أوقعته تلك المرأة الخبيثة فى الكذب وشهادة الزور وخسر ماله .


لعـلــه خيـــرا
كان لأحد الملوك وزيراً حكيماً وكان الملك يحبه ويصطحبه معه في كل مكان وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير " لعله خيراً " فيهدأ الملك وذات يوم قُطع إصبع الملك فقال الوزير " لعله خيراً " فغضب الملك غضباً شديداً وقال ما الخير في ذلك ؟! وأمر الملك بحبس الوزير ، فقال الوزير الحكيم " لعله خيراً "، ومكث الوزير فترة طويلة في السجن ، وذات يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته فمر على قوم يعبدون صنم فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع , فانطلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن واعتذر له عما صنعه معه وأخبره أنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه وحمد الله تعالى على ذلك ، ولكنه سأله : عندما أمرت بسجنك قلت " لعله خيراً " فما الخير في ذلك؟ فأجابه الوزير : أنه لو لم يسجنه لصاحبه فى الصيد وكان سيُقدم قرباناً بدلا منه فكان في صنع الله كل الخير
وفي هذه القصة ألطف رسالة لكل مُبتلى كي يطمئن قلبه ويرضى بقضاء الله عز وجل ويكن على يقين أن في هذا الابتلاء الخير له في الدنيا والآخرة.


دواء المـلك
مرض أحد الملوك مرضا خطيراً واجتمع الأطباء لعلاجه ورأوا جميعاً أن علاجه الوحيد هو دواء يستخلصونه من كبد إنسان فيه صفات معينة ذكروها له وعثر رجاله على فتى يسمى ابن دهقان توفرت فيه تلك الشروط
فأرسل الملك إلى والدي الفتى وحدثهما عن الأمر وأعطى لهما مالاً كثيراً فوافقا على التضحية بولدهما ليأخذ الملك كبده ليشفي من مرضه وطلب الملك من القاضي فتوى تجيز التضحية بهذا الشاب من أجل شفاء الملك فأفتى القاضي بجواز ذلك ، وقام الجنود بتجهيز الفتى ليذبحوه وكان الملك مطلاً عليه فرأى الغلام ينظر إلى السياف ويرفع عينيه إلى السماء ويبتسم فأسرع الملك نحو الفتى وسأله متعجباً : أتبتسم وقد أوشكت على الهلاك ؟! فقال الفتى : هذا بسبب رضائى بقضاء الله الذى لا ملجأ لى سواه فهو الوحيد الذى سيرحمنى فأبى وأمى لم يرحمانى وضحيا بى من أجل حطام الدنيا أما القاضي فلم يعدل في فتواه حين سألته فخافك ولم يخف الله فأحل لك دمي وأنت يا سيدي الملك رأيت شفائك فى قتل برئ وكان عليك أن تتقى الله ولهذا رفعت رأسي إلى ربى الرحيم مبتسماً راضياً فليس لى سواه ، فتأثـر الملك من قول الفتى وبكى وقال : إذا مت وأنا مريض خير من أن أقتل نفساً بغير حق ثم أخذ الفتى وقبله وأعطاه العطايا والهدايا ، وقيل بعد ذلك أن الملك شفى من مرضه بعد أيام .


أراد قتل الضيف فقتل ابنه
روى أن تاجراً من أهل العراق كان مسافراً وهو يحمل قدر كبير من المال وألجأته الظروف إلى طلب المبيت ، فطرق الباب على دار فى الطريق وطلب من صاحبه أن ينام عنده ، فأدخله صاحب الدار ، وعرف صاحب الدار بما معه من مال فحدثته نفسه بقتل الضيف وأخذ ماله ، ولم يخبر أحداً بما فى نفسه ، وكان لصاحب الدار ابن شاب فأدخل الضيف لينام مع ابنه وميز مكان نوم الضيف وأطفأ السراج وخرج ، وقدر الله أن ينتقل الابن من موضعه الذى نام فيه إلى موضع الضيف ، وفى سكون الليل تسلل صاحب الدار إلى الموضع الذى ترك فيه الضيف وأخذ يطعنه بسكين معه وهو لا يعرف أنه يقتل ابنه وانتبه الضيف فعرف ما أراده صاحب الدار به فخرج هارباً من الدار وأخذ يصيح فى الطريق ، فوقف الجيران على خبره وأغاثوه وعلموا بما فعله صاحب الدار فأمسكوه وفى يده السكين فأقر بقتل ابنه وأنه لبى نداء الشيطان فخسر كل شيء .


العابـد والشجـرة
روى أن عابدا سمع أن قوما يعبدون شجرة من دون الله فحمل فأسا وذهب ليقطع تلك الشجرة فلقيه إبليس في صورة شيخ وقال له : إلى أين وأي شيء تريد ؟ فقال العابد : أريد قطع تلك الشجرة التي تعبد من دون الله فقال إبليس : ما أنت وذاك ؟ تركت عبادتك وتفرغت لهذا فالقوم إن قطعتها يعبدون غيرها ، فقال العابد : لا بد لي من قطعها , فقال إبليس : أنا أمنعك من قطعها , فصارعه العابد وضربه وقعد على صدره , فقال له إبليس : أطلقني حتى أكلمك , فأطلقه فقال له : يا هذا إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا وله عباد في الأرض لو شاء لأمرهم بقطعها , فقال له العابد : لا بد لي من قطعها فقال له إبليس مرة أخرى : أنا أمنعك من قطعها ، فصارعه العابد وضربه للمرة الثانية ، فقال له إبليس : هل لك أن تجعل بيني وبينك أمرا هو خير لك من هذا الذي تريد ؟ فقال العابد : وما هو ؟ فقال إبليس : أنت رجل فقير فلعلك تريد أن تتفضل على إخوانك وجيرانك وتستغني عن الناس فقال العابد : نعم فقال إبليس : ارجع عن قطع تلك الشجرة ولك علي أن أجعل تحت رأسك كل ليلة دينارين تأخذهما لتنفقهما على عيالك وتتصدق منهما فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع تلك الشجرة , ففكر العابد وقال : صدقت فيما قلت فعاهدني على ذلك ، فحلف له إبليس , وعاد العابد إلى متعبده ، فلما أصبح العابد رأى دينارين تحت رأسه فأخذهما , وكذلك في اليوم التالي فلما كان في اليوم الثالث وما بعده لم ير العابد شيئا فغضب وأخذ الفأس وذهب نحو الشجرة ليقطعها فاستقبله إبليس في صورة ذلك الشيخ الذي لقيه أول مرة وقال له : أين تريد ؟ فقال العابد : إلى قطع تلك الشجرة , فقال إبليس : ليس إلى ذلك من سبيل ، فتناوله العابد ليغلبه كما غلبه من قبل فقال إبليس : هيهات هيهات !! وأخذ العابد وضربه على الأرض كالعصفور فقال العابد : خل عني وأخبرني كيف غلبتني ؟ فقال إبليس : أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان ، جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك .


شـؤم المعصية
روى أن انوشروان ملك الفرس خرج إلى الصيد يوما وأوغل فى الركض وبعد عن عسكره واستولى العطش عليه حتى وصل إلى بستان فلما دخله لقى صبيا وعلم هذا الصبى أن من دخل عليه البستان هو ملك البلاد من هيئته ولكنه لم يخبر الملك بعلمه أنه الملك ، وقال الملك للصبى : اعطني رمانة ، فأعطاه الصبى رمانة ، فشقها واخرج حبها وعصرها فخرج منها ماء كثير فشربه وأعجبه ذلك الرمان فعزم على أن يأخذ ذلك البستان من مالكه ثم قال : أعطني رمانة أخرى ، فأعطاه ، فعصرها فخرج منها ماء قليل فشربه فوجد به مرارة شديدة ، فقال : أيها الصبى ، لم صار الرمان هكذا ؟ فقال الصبى : لعل ملك البلاد عزم على الظلم فلأجل شؤم ظلمه صار الرمان هكذا ، فتاب انو شروان فى قلبه عن ذلك الظلم الذى نوى فعله وقال : أعطني رمانة أخرى فأعطاه الصبى رمانة فوجدها أطيب من الرمانة الأولى ، فقال للصبى : لم عادت للرمان حلاوته ؟ فقال الصبى : لعل ملك البلاد تاب عن ظلمه !


قـدح ليس له نظيـر
حُمل إلى أحد الملوك قدح من فيروز مرصع بالجواهر لم يُر له نظير ، ففرح به الملك فرحا شديدا ، فقال لحكيم عنده : كيف ترى هذا القدح ؟ قال : أراه مصيبة أو فقرا ، فقال الملك : كيف ، فقال الحكيم : إن كسر كان مصيبة لا جبر لها ، وان سُرق فلن تجد مثله وصرت فقيرا إليه ، وقد كنت قبل أن يُحمل إليك فى امن من المصيبة والفقر ثم حدث يوما أن كسر القدح ، وعظمت مصيبة الملك وحزنه عليه ، فقال الملك : صدق الحكيم ، ليته لم يُحمل إلينا .


مشورة النساء
يروى أن ملكا اسمه خسرو بن أبرويز كان يحب أكل السمك وكان ذات يوم جالساً مع زوجة له تسمى شيرين ، فجاء صياد ومعه سمكة كبيرة أهداها للملك ووضعها بين يديه فأعجبته فأمر الملك للصياد بأربعة آلاف درهم فقالت زوجته شيرين بئس ما فعلت ، فقال الملك : ولم ؟ فقالت : لأنك إذا أعطيت أحداً من رجالك بعد هذا مثل هذه العطية احتقرها وقال : أعطاني مثل ما أعطى الصياد ، فقال الملك : لقد صدقت ولكن يقبح بالملك استرجاع ما وهبه وقد فات ذلك الأمر ، فقالت : أنا أدبر هذا الحال ، فقال : وكيف ذاك؟ فقالت : تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر أم أنثى فإن قال أنثى فقل إنما أردت ذكراً وان قال ذكر فقل إنما أردت أنثى ، فنودي الصياد وكان ذا ذكاء وفطنة ، فقال له الملك : هذه السمكة ذكر أم أنثى ؟ فقال الصياد : أدام الله سلطانك هذه السمكة خنثى لا ذكر ولا أنثى ، فضحك الملك من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فمضى الصياد إلى الخازن وقبض منه الدراهم ووضعها في جراب كان معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب عن كاهله وانحنى على الدرهم ليأخذه من الأرض والملك وزوجته ينظران إليه فقالت شيرين للملك : أرأيت خسة هذا الصياد وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن عنقه ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم فأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه لعل بعض الخدم يأخذوه ، فغضب الملك من ذلك وطلب من رجاله أن ينادوا على الصياد فعاد الصياد فقال له الملك : يا ساقط الهمة ألست بإنسان ؟! وضعت مثل هذا المال عن عنقك لأجل درهم واحد سقط منك وأسفت أن تتركه ، فقبل الصياد الأرض وقال : أطال الله إقبال الملك إنما رفعت ذلك الدرهم عن الأرض لأن على أحد وجهيه اسم الملك وعلى وجهه الآخر صورته فخشيت أن يجيء أحد بغير علم فيضع قدمه عليه فيكون ذلك استخفافاً باسم الملك وصورته فأكون أنا المأخوذ بهذا الذنب ، فعجب الملك من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فعاد الصياد ومعه اثنا عشر ألف درهم ، وأمر الملك منادياً ينادي أن لا يتدبر أحد برأي النساء فإن من تدبر بآرائهن خسر درهمه درهمين‏ .‏


حينما يأتي ملك الموت
روى وهب بن منبه أنه كان هناك ملك عظيم أراد أن يري الخلق عجائبه وزينته فأمر أمراءه وحجابه وكبراء دولته أن يجهزوا له موكباً عظيماً وأمر بإحضار فاخر الثياب وأمر بعرض خيوله وعتاده واختار منها جواداً فركبه وطوقه بالطوق المرصع بالجوهر وجعل الجواد يركض في عسكره بفخر وتجبر فجاء إبليس فوضع فمه في منخر الملك ونفخ هواء الكبر في أنفه فقال الملك في نفسه : من في العالم مثلي وأخذ يركض بكبرياء وزهو وخيلاء ولا ينظر إلى أحد من تيهه وكبره وعجبه وفخره فوقف بين يديه رجل عليه ثياب رثة فسلم عليه فلم يرد عليه سلامه ‏،‏ فقبض الرجل على عنان فرسه ، فقال له الملك‏ :‏ ارفع يدك فإنك لا تدري بعنان من قد أمسكت‏ ،‏ فقال الرجل ‏:‏ لي إليك حاجة ،‏ فقال‏ الملك :‏ اذكر حاجتك‏،‏ فقال الرجل ‏:‏ إنها سر ولا أقولها إلا في أذنك فأصغى إلي بسمعك وقال ‏:‏ أنا ملك الموت أريد أن أقبض روحك فصعق الملك وارتعد وقال‏ :‏ أمهلني بقدر ما أعود إلى بيتي وأودع أولادي وزوجتي‏ ،‏ فقال ملك الموت ‏:‏ لقد مضى عمرك وحان أجلك وأخذ روحه وهو على ظهر الفرس فخر ميتاً‏ على تلك الحال ، ثم أتى ملك الموت رجلاً صالحاً قد رضي ربه عليه فسلم عليه فرد عليه السلام فقال‏ :‏ لي إليك حاجة ، فقال الرجل الصالح‏ :‏ قل حاجتك في أذني فقال‏:‏ أنا ملك الموت ، فقال‏:‏ مرحباً بك الحمد لله على مجيئك فإني كنت كثير الترقّب لوصولك ولقد طالت علي غيبتك وكنت مشتاقاً إلى قدومك ، فقال له ملك الموت‏:‏ إن كان لك شغل فاقضه فقال‏:‏ ليس لي شغل أهم من لقاء ربي ، فقال‏:‏ كيف تحب أن أقبض روحك فقال الرجل الصالح : إذا سجدت فخذ روحي وأنا ساجد ، ففعل ملك الموت ما أمره به ونقله إلى رحمة ربه .


قبور على الأبواب
روى أن ذو القرنين مر بقوم لا يملكون شيئاً من أسباب الدنيا وما لهم طعام إلا الحشيش ونبات الأرض ‏ووجدهم قد حفروا قبور موتاهم على أبواب ديارهم وهم كل يوم يتعمدون تلك القبور يكنسونها وينظّفونها ويزورونها ويعبدون الله فيها فبعث إليهم ذو القرنين رجلا فدعا ملكهم للقاء ذو القرنين فلم يجبه وقال‏ :‏ ما لي وله ؟! فذهب إليه ذو القرنين وقال‏:‏ إني أرسلت إليك لتأتيني فما أتيت فها أنا ذا قد جئتك ، فقال‏ الملك :‏ لو كانتَ لي إليك حاجة لأتيتك ، فقال‏ ذو القرنين :‏ كيف حالكم فإني لا أرى لكم شيئاً من ذهب ولا فضة ولا أرى عندكم شيئاً من نعم الدنيا ؟! فقال الملك ‏:‏ وذلك لأن نعم الدنيا لا يشبع منها أحد قط‏ ، فقال‏ ذو القرنين :‏ ولم حفرتم قبوركم على أبوابكم ؟ فقال الملك ‏:‏ وذلك لتكون نصب أعيننا فننظر إليها ويتجدد لنا ذكر الموت ويبرد حب الدنيا في قلوبنا فلا نشتغل بها عن عبادة ربنا ، فقال ذو القرنين ‏:‏ ولم تأكلون الحشيش ونبات الأرض ؟ فقال‏ الملك :‏ وذلك لأننا كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً للحيوانات ولأن لذة الطعام لا تتجاوز الحلق ثم مد يده إلى طاقة فاخرج منها قحف رأس آدمي فوضعه بين يديه وقال‏ :‏ يا ذا القرنين أتعرف من كان صاحب هذا ؟! كان صاحب هذا الرأس ملكا من ملوك الدنيا وكان يظلم رعيته ويجور عليهم ويستفرغ زمانه في جمع حطام الدنيا فقبض الله روحه وقد أحصى الله عليه عمله حتى يجازيه به في آخرته ثم مد يده إلى الطاقة وأخرج قحفاً آخر فوضعه بين يديه وقال ‏:‏ أتعرف من كان صاحب هذا ؟!‏ كان هذا ملكاً عادلاً مشفقاً على رعيته محباُ لأهل مملكته فقبض الله روحه وقد أحصى الله عليه عمله حتى يجازيه به في آخرته ثم قام الملك ووضع يده على رأس ذو القرنين وقال ‏:‏ ترى أى هذين الرأسين يكون هذا الرأس ؟ فضم ذو القرنين الرجل إلى صدره وأخذ يبكى بكاء شديداً ثم قال ذو القرنين ‏:‏ هل لك في صحبتي فأتخذك وزيرا وشريكا فيما أنا فيه ؟ فقال الملك : هيهات ما لي رغبة في ذلك ، قال ذو القرنين ‏:‏ ولم ؟ قال‏ الملك :‏ لأن الناس جميعاً أعداؤك بسبب المال والمملكة وكلهم أصحابى بسبب ما أنا فيه من القناعة فالله تعالى معك فتركه ذو القرنين وانصرف


اللهم لا تسلط على هذا الكافر
خرج إبراهيم عليه السلام من أرض العراق بعد موت النمرود واتجه إلى مصر وكانت معه زوجته سارة وكانت قد أوتيت من الحسن شيئاً عظيماً ، فلما دخلا مصر رأى أحد أقرباء ملك مصر إبراهيم عليه السلام ومعه سارة فأخبر الملك بأن هناك امرأة غاية فى الحسن والجمال دخلت مصر وهى لا تصلح إلا له وكان هذا الملك طاغية جبار وكان لا يدع شيئاً مثل هذا يفوته فأرسل جنوده إلى إبراهيم عليه السلام فقالوا له : من هذه المرأة التى معك ؟ فعلم إبراهيم عليه السلام برغبة ملك البلاد الظالم فى زوجته فقال : هى أخت لى ، وكان يقصد أخته فى الإسلام وتخوف إبراهيم عليه السلام إن قال هى امرأتي أن يقتله الجنود عنها ، وفى هذا بيان جواز التورية وهى أن تأتي بكلام له معنيان معنى قريب ومعنى بعيد فالسامع يتوهم أنك تقصد المعنى القريب وفي الحقيقة أنك تقصد المعنى البعيد ، بعد ذلك قام جنود الملك بأخذ سارة إلى ملكهم ، وكان إبراهيم عليه السلام على يقين بأن الله الذي أنقذه من النار سينقذ له زوجته وأخذ يصلى داعياً الله عز وجل أن ينقذ له زوجته المؤمنة الصالحة وهذا يبين أن الإنسان إذا نابه كرب أو وقع في شدة فإن عليه أن يتوجه إلى الصلاة ، ولما أدخلت سارة على الملك لم يتمالك نفسه من شدة جمالها فبسط يده إليها فدعت سارة الله عز وجل قائلة : اللهم إنك تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هذا الكافر فيبست يد الملك أى شلت يده ، وهذا يبين استحباب التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة وأن الله سبحانه وتعالى يقبل الدعاء بالأعمال الصالحة ، هنا أحس الملك أن تلك المرأة وراء ما حدث له فطلب منها أن تطلق يده وانه سوف يتركها لحال سبيلها فدعت سارة ربها فاستجاب لها ولكن الملك حينما رأى نفسه سليما نكث بوعده وحاول أن يلمسها فيبست يده أشد من المرة الأولى وعاد الملك وطلب منها أن ترفع عنه هذا الأذى وانه سوف يتركها ويحسن إليها فدعت سارة ربها أن يزيل عنه ما به إن كان صادقا فاستجاب لها ربها واستدعى الملك الرجل الذي جاء له بـسارة وقال له : إنك لم تأتني بإنسان أرجعوها إلى إبراهيم وزيادة على ذلك أعطاها خادمة وهي هاجر وقد وهبها لها لتخدمها لأنه سمع أنها كانت تعجن العجين وتخدم نفسها ومن معها فقال الملك : مثل هذه لا يليق أن تخدم نفسها ، فلما أطلق سراحها ومعها هاجر أتت سارة إلى إبراهيم وكان يصلي فقال إبراهيم بعدما أنهى صلاته : ما الخبر؟ فقالت سارة ملخصةً ما حصل : رد الله كيد الكافر .


رحمة الله
ورد فى تفسير الآية الكريمة : وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) الأنعام أن إبراهيم عليه السلام فرجت له السموات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأرض فنظر إلى ما فيها ، ثم جعله الله ينظر إلى معاصى العباد فرأى رجلاً يرتكب معصية فقال : اللهم انزل عليه صاعقه من السماء ، فنزلت صاعقه على الرجل فأحرقته ثم رأى إبراهيم رجل يرتكب معصية أخرى ، فدعا الله أن ينزل عليه صاعقة فقال تعالى : يا إبراهيم أأنت خلقتهم ؟! قال إبراهيم : لا يا رب ، فقال تعالى : لو خلقتهم لرحمتهم فإني أرحم بعبادي منك لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا.


من وصايا لقمان
كان لقمان الحكيم عبداً أسود غليظ الشفتين مجدع الأنف قصير القامة وروى انه قيل له : ما أقبح وجهك يا لقمان !! فقال: أتعيب بهذا على أم على الذى خلقنى ؟ ولقد عوضه الله تعالى ما فاته من جمال الخلق وآتاه الحكمة وشرفه بالذكر في كتابه العزيز ، وعن جابر قال : إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك ، فقال : الست عبد بني فلان الذي كنت تُرى بالأمس؟ قال : بلى ، قال : فما بلغ منك ما أرى؟ أى ما الذى رفع منزلتك بين قومك ؟ قال : قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وتركي ما لا يعنيني وقد قيل أنه حين كان عبداً طلب منه سيده أن يذبح له شاة، فذبح له شاة فقال له سيده : ائتني بأطيب مضغتين فيها ، فأتاه لقمان باللسان والقلب، فقال له سيده : أما كان فيها شيء أطيب من هذين؟ قال لقمان : لا ، قال: فسكت عنه سيده ما سكت، ثم قال له: اذبح لي شاة، فذبح له شاة فقال له: ألق أخبثها مضغتين فرمى باللسان والقلب، فقال له سيده : أمرتك أن تأتيني بأطيبها مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت اللسان والقلب، فكيف هذا ؟ فقال لقمان : إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .


الولد الصالح
مر عيسى عليه السلام بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به بعد عام فإذا هو لا يعذب فقال: يا رب مررت بهذا القبر منذ عام وكان صاحبه يعذب، ثم مررت به اليوم فإذا هو لا يعذب، فأوحى الله عز وجل إليه: يا روح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه .


من أكل الرغيف الثالث ؟!
يروى أن نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام
كان بصحبته رجل من اليهود وكان معهما ثلاثة أرغفة من الخبز، ولما أرادا أن يتناولا طعامهما وجد نبى الله أن الأرغفة نقصت رغيفاً
فسأل اليهودي: أين الرغيف الثالث ؟ فأجاب : والله ما كانا إلا اثنين فقط
فلم يتكلم نبي الله وسارا معاً حتى أتيا رجلاً أعمى فوضع عيسى عليه السلام
يده على عينيه ودعا الله له فشفاه الله عز وجل
ورد عليه بصره , فقال اليهودي متعجباً : سبحان الله !وهنا سأل عيسى عليه السلام صاحبه اليهودي مرة أخرى: بحق من شفا هذا الأعمى ورد عليه بصره ، أين الرغيف الثالث؟ فرد: والله ما كانا إلا اثنين
فأكملا سيرهما ولم يتكلم عيسى عليه السلام حتى أتيا نهرا كبيرا
فقال اليهودي : كيف سنعبره ؟ فقال له : قل باسم الله واتبعني
فسارا على الماء ، فقال اليهودي متعجبا: سبحان الله!
وهنا سأل عيسى عليه السلام صاحبه اليهودي مرة ثالثة : بحق من سيرنا على الماء أين الرغيف الثالث؟ فأجاب : والله ما كانا إلا اثنين
فأكملا سيرهما حتى وصلا إلى الضفة الأخرى
ثم جمع نبى الله ثلاثة أكوام من التراب ثم دعا الله أن يحولها ذهباً
فتحولت إلى ذهب، فقال اليهودي متعجبا: سبحان الله ! لمن هذه الأكوام من الذهب ؟ !فقال عليه السلام : الأول لك ، والثاني لي ، ثم سكت قليلا ، فقال اليهودي: والثالث ؟ فقال عليه السلام : الثالث لمن أكل الرغيف الثالث ، فرد اليهودى : أنا الذي أكلته ، فقال عيسى عليه السلام : هي كلها لك وترك الثلاثة أكوام لليهودى، ومضى تاركاً اليهودي غارقاً في شهوة حب المال والدنيا مشغولاً بأكوام الذهب وما سيفعل بها ولم يلبث اليهودى إلا قليلا حتى جاءه ثلاثةُ فرسان فلما رأوا أكوام الذهب معه هاجموه وأخذوا ما معه من الذهب وقتلوه شر قتلة ، مات الرجل ولم يستمتع بالذهب إلا قليلا بل دقائق معدودة !! سبحانك يا رب !! وبعد أن حصل كل واحد من الفرسان على كومة من الذهب بدأ الشيطان يلعب برؤوسهم جميعا ، فدنا أحدهم من أحد صاحبيه
قائلا له: لم لا نأخذ أنا وأنت الأكوام الثلاثة فقال له صاحبه: فكرة جيدة!!
فنادوا الثالث وطلبوا منه الذهاب لشراء طعام قبل أن يرحلوا
فوافق هذا الثالث ومضى لشراء الطعام وفي الطريق حدثته نفسه :لم لا تتخلص منهما وتظفر بالمال كله وحدك ؟ فقام صاحبنا بوضع السم في الطعام ليقتل صاحبيه ويحصل على الذهب كله وعند عودته إلى صاحبيه كانا قد قررا التخلص منه فاستقبلاه بطعنات في جسده حتى مات، ثم أكلا الطعام المسموم فما لبثا أن لحقا بصاحبهما وماتا أى أن الجميع قد ماتوا ، وبعد يوم مر عيسى عليه السلام بالمكان مرة أخرى فوجد أربعة جثث ملقاة على الأرض وأكوام الذهب بجوارهم ، فقال عيسى عليه السلام : هكذا تفعل الدنيا بأهلها .


ليس للعبد أن يختبر ربه
روى أن إبليــس جاء إلي عيسى عليه الســــلام فى صورة رجل وقال له : يا نبى الله ألست تزعم أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك ؟! فقال عيسى عليه السلام : بلى ، فقال إبليس : فارم بنفسك من هذا الجبل فانه إن قدر لك السلامة تسلم ، فقال له عيسى عليه السلام : يا ملعون , إن لله عز وجل أن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه .


به فابدأ
ورد فى الأثر أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى جبريل عليه السلام أن يقلب مدينة كذا بمن فيها ، فقال جبريل : يا رب فيهم عبدك فلان الصالح الذى لم يعصيك قط ، فقال تعالى : به فابدأ ، فان وجهه لم يتمعر فى قط ، أى لم يتغير وجهه غضباً من أجلى ، كما أنه لم ينه قومه عن المعصية ، ويقول ابن القيم عن الذين يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هؤلاء من أقل الناس ديناً فأي دين فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك .


العابد والعاصى
ورد فى الأثر أنه التقى أحد العابدين ( رجل عبد الله ما عصاه قط ) بأحد العصاة ( رجل لم يطع الله قط ) هذا جاء من جهة والآخر جاء من الجهة الأخرى فلما التقيا أعرض كل واحد منهما عن الآخر، العابد أعرض استكبارا على العاصي وقال في نفسه : والله لن يغفر الله لهذا العاصى أبداً ، فقد رأى نفسه أفضل منه بعبادته ولكن العبادة إن صحت تربى فى صاحبها التواضع والانكسار وليس التكبر ، أما العاصي فقد أعرض عن العابد وكانت نيته الحياء من الله عز وجل فقال في نفسه : من أنا حتى أقابل هذا الصالح العابد وأنا الفاسق العاصى ، وكان لهذا العابد من الكرامات التي نالها من حُسن عبادته أن سحابة تظله إذا مشى ، فلما أعرض تكبرا عن العاصى ونظر إليه نظرة استكبار وأعرض العاصى حياء من الله تركت السحابة العابد وتبعت العاصى بعد أن استحى من أفعاله .
قصة العابد خمسمائة سنة
عن جابر رضى الله عنه قال : خرج علينا رسـول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حدثنى خليلى جبريل فقال : يا محمد والذى بعثك بالحق إن لله عبدا من عباده عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل فى البحر عرضه وطوله ثلاثون ذراعا فى ثلاثين ذراعا والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية وأخرج له عينا عذبة بعرض الإصبع تفيض بماء عذب فيستقر فى أسفل الجبل وشجرة رمان تخرج له فى كل ليلة رمانة ، يتعبد يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته ، فسأل ربه عند موته أن يقبضه ساجداً وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلاً حتى يبعثه الله وهو ساجد ، فنحن نمر عليه إذا هبطنـا وإذا صعدنـا فنجد له فى العلم إنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدى الله ، فيقول له الرب : أدخلوا عبدى الجنة برحمتى ، فيقول العابد : رب بل بعملى ، فيقول تعالى : أدخلوا عبدى الجنة برحمتى ، فيقول العابد : رب بل بعملى ، فيقول تعالى : قايسوا عبدى بنعمتى عليه وبعمله ، فتوجد نعمة البصر وقد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا ًعليه ، فيقول تعالى : ردوه ، فيوقف بين يدي الله ، فيقول تعالى : ياعبدى من خلقك ولم تك شيئا ؟ فيقول العابد : أنت يارب فيقول تعالى : من قواك لعبادة خمسمائة سنة ، فيقول العابد : أنت يارب فيقول تعالى : من أنزلك فى جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة فى السنة وسألته أن يقبضك ساجدا ففعل ؟ فيقول العابد : أنت يارب ، فيقول تعالى : فذلك برحمتى وبرحمتى أدخلك الجنة ، أدخلوا عبدى الجنة فنعم العبد كنت يا عبدى .


الذى أبكاك هو الذى أضحكك
ورد في الأثر أن الله عز وجل أرسل ملك الموت ليقبض روح امرأة فلما أتاها ملك الموت ليقبض روحها وجدها وحيدة مع رضيعاً لها ترضعه وهما في صحراء قاحلة ليس حولهما أحد ، ولكنه لم يتمالك نفسه من ذلك المشهد فدمعت عيناه حزناً على ذلك الرضيع الذى سيبقى فى الصحراء وحيداً ، غير أنه مأمور للمضي لما أرسل له فقبض روح الأم ومضى كما أمره ربه وبعد هذا بسنوات طويلة أرسل الله ملك الموت ليقبض روح رجل من الناس فلما أتى ملك الموت إلى الرجل المأمور بقبض روحه وجده شيخاً طاعناً في السن متوكئاً على عصاه عند حداد ويطلب من الحداد أن يصنع له قاعدة من الحديد يضعها في أسفل العصا حتى لا تنحتها الأرض ويوصي الحداد بأن تكون قوية لتبقى عصاه سنين طويلة ، عند ذلك لم يتمالك ملك الموت نفسه ضاحكاً ومتعجباً من شدة تمسك وحرص هذا الشيخ وطول أمله بالعيش بعد هذا العمر المديد ، وهو لم يتبقى من عمره إلا لحظات فأوحى الله إلى ملك الموت قائلاً : بعزتي وجلالي إن الذي أبكاك هو الذي أضحكك
سبحانك ربي ما أحكمك ، سبحانك ربي ما أعدلك ، سبحانك ربي ما أرحمك
نعم ذلك الرضيع الذي بكى ملك الموت عندما قبض روح أمه هو ذلك الشيخ الذي ضحك ملك الموت من شدة حرصه وطول أمله
وفى النهاية بغض النظر عن صحة هذه القصة إلا أن معناها جميل ويحمل الكثير من العبرة .


كـل مـن عليهـا فـان
يخبرنا الله تعالى فى القرآن الكريم بأن كل من على الدنيا هالك لا محالة إلا هو سبحانه لا إله إلا هو فقال "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ (27)" الرحمن وقد تحدث ابن الجوزى عن أخر من يموت من الخلائق فى كتابه " بستان الواعظين ورياض السامعين " فقال : بعدما ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور النفخة الأولى يموت أهل الأرض جميعا من شدة الزلزلة و تموت ملائكة السماوات السبع وحملة العرش ويبقى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فيقول الجبار جل جلاله : من بقى يا ملك الموت ؟ - وهو أعلم - فيقول ملك الموت : سيدي ومولاي أنت أعلم ، بقي إسرافيل وميكائيل وجبريل وبقي عبدك الضعيف ملك الموت خاضع ذليل قد ذهلت نفسه لعظيم ما عاين من الأهوال فيقول الجبار تبارك وتعالى : انطلق إلى جبريل فأقبض روحه فينطلق إلى جبريل فيجده ساجدا راكعا فيقول : ما أغفلك عما يراد بك يا مسكين قد ماتت الخلائق كلها و قد أمرني المولى بقبض روحك فعند ذلك يبكي جبريل عليه السلام ويقول متضرعا إلى الله عز وجل : يا الله هون علي سكرات الموت " يا الله هذا ملك كريم يتضرع ويطلب من الله بتهوين سكرات الموت و هو لم يعصى الله قط فما بالنا نحن البشر ونحن ساهون لا نذكر الموت إلا قليلا " فيضمه ملك الموت ضمه فيخر جبريل منها صريعا فيقول الجبار جل جلاله : من بقي يا ملك الموت ؟ - وهو أعلم - فيقول : مـــولاي و سيـــــدي بقي ميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت فيقول الله عز و جل : انطلق إلى ميكائيل فاقبض روحه ، فينطلق إلى ميكائيل فيجده ينتظر المطر ليكيله على السحاب فيقول له : ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك ما بقي لبني آدم رزق و لا للأنعام ولا للهوام ، قد ماتت الخلائق كلها و قد أمرني ربي بقبض روحك ، فعند ذلك يبكي ميكائيل ويتضرع إلى الله و يسأله أن يهون عليه سكرات الموت ، فيضمه ملك الموت ضمه فيخر صريعا ميتا لا روح فيه فيقول الجبار جل جلاله : من بقي يا ملك الموت ؟ - وهو أعلم - فيقول ملك الموت : مولاي وسيدي أنت أعلم بقي إسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت فيقول الجبار تبارك وتعالى : انطلق إلى إسرافيل فأقبض روحه فينطلق كما أمره الجبار إلى إسرافيل فيقول له : ما أغفلك يـــا مسكين عما يراد بك قد ماتت الخلائق كلهـــــا و ما بقي أحد وقد أمرني الله بقبض روحك فيقول إسرافيل : سبحان من قهر العباد بالموت سبحان من تفرد بالبقاء ثم يقول : مولاي هون علي مرارة الموت ، فيضمه ملك الموت ضمه يقبض فيها روحه فيخر صريعا فلو كان أهل السماوات والأرض في السماوات و الأرض لماتوا كلهم من شدة وقعته فيسأل الله ملك الموت من بقي يا ملك الموت ؟ - وهو أعلم - فيقول: مولاي وسيدي أنت أعلم بمن بقي ، بقي عبدك الضعيف ملك الموت فيقول الجبار عز وجل : وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي أنطلق بين الجنة والنار ومت ، فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الخلائق ماتوا لماتوا عن أخرهم من شدة صيحته فيموت ثم يطلع الله تبارك و تعالى إلى الدنيا فيقول : يا دنيا أين أنهارك أين أشجارك و أين عمارك ؟؟ أين الملوك و أبناء الملوك وأين
الجبابرة وأبناء الجبابرة ؟؟ أين الذين أكلوا رزقي و تقلبوا في نعمتي
وعبدوا غيري ؟؟ لمن الملك اليوم ؟؟ فلا يجيب أحد
فيرد الله عز وجل فيقول : الملك لله الواحـــد القهـــار .



وفى الختـــام
لا أملك إلا أن أوصيكم بوصية النبى صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث قال " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعــوك إلا بشئ قد كتبه الله لك وإن اجتمعــوا على أن يضــروك بشئ لم يضــروك إلا بشئ قـد كتبـه الله عليـك ، رفعت الأقـلام وجفت الصحف " .
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين


Google+

شارك إعجابك بالموضوع --» 

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
السابقين

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
كتاب مع قصص السابقين ( 3 أجزاء ) بصيغة pdf هانى زيادة استراحة المهندسين 0 05-06-2013 08:54 PM


الساعة الآن »09:30 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.7.5
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
3y vBSmart
F.T.G.Y 3.0 BY: D-sAb.NeT © 2011